كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الأخفش: التقدير؛ فيما يقص عليكم ذكر رحمة ربك.
والقول الثالث: أن المعنى هذا الذي يتلوه عليكم ذكر رحمة ربك.
وقيل: {ذكر رحمة ربك} رفع بإضمار مبتدأ؛ أي هذا ذكر رحمة ربك؛ وقرأ الحسن: {ذَكَّرَ رَحْمَةَ رَبِّك} أي هذا المتلو من القرآن ذَكَّر رحمة ربك.
وقرىء {ذَكِّرْ} على الأمر. {ورحمة} تكتب ويوقف عليها بالهاء، وكذلك كل ما كان مثلها، لا اختلاف فيها بين النحويين، واعتلوا في ذلك أن هذه الهاء لتأنيث الأسماء فرقًا بينها وبين الأفعال.
الثانية: قوله تعالى: {عَبْدَهُ} قال الأخفش: هو منصوب ب {رحمة}.
{زكريا} بدل منه؛ كما تقول: هذا ذكر ضرب زيد عمرًا؛ فعمرًا منصوب بالضرب، كما أن {عبده} منصوب بالرحمة.
وقيل: هو على التقديم والتأخير؛ معناه: ذِكر ربك عبده زكريا برحمة؛ ف {عبده} منصوب بالذكر؛ ذكره الزجاج والفراء.
وقرأ بعضهم {عَبْدُهُ زكرِيا} بالرفع؛ وهي قراءة أبي العالية.
وقرأ يحيى بن يعمر {ذَكَرَ} بالنصب على معنى هذا القرآن ذَكرَ رحمة عبده زكريا.
وتقدمت اللغات والقراءة في {زكريا} في (آل عمران).
الثالثة: قوله تعالى: {إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} مثل قوله: {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين} [الأعراف: 55] وقد تقدّم.
والنداء الدعاء والرغبة؛ أي ناجى ربه بذلك في محرابه.
دليله قوله: {فَنَادَتْهُ الملائكة وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المحراب} [آل عمران: 93] فبيّن أنه استجاب له في صلاته، كما نادى في الصلاة.
واختلف في إخفائه هذا النداء؛ فقيل: أخفاه من قومه لئلا يلام على مسألة الولد عند كبر السن؛ ولأنه أمر دنيوي، فإن أجيب فيه نال بغيته، وإن لم يجب لم يعرف بذلك أحد.
وقيل: مخلصًا فيه لم يطلع عليه إلا الله تعالى.
وقيل: لما كانت الأعمال الخفية أفضل وأبعد من الرياء أخفاه.
وقيل: {خَفِيًّا} سِرًّا من قومه في جوف الليل؛ والكل محتمل والأوّل أظهر؛ والله أعلم.
وقد تقدّم أن المستحب من الدعاء الإخفاء في سورة (الأعراف) وهذه الآية نص في ذلك؛ لأنه سبحانه أثنى بذلك على زكريا.
وروى إسماعيل قال: حدّثنا مسدد قال: حدّثنا يحيى بن سعيد عن أسامة بن زيد عن محمد بن عبد الرحمن وهو ابن أبي كبشة عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن خير الذكر الخفيّ وخير الرزق ما يكفي» وهذا عام.
قال يونس بن عبيد: كان الحسن يرى أن يدعو الإمام في القنوت ويؤمن من خلفه من غير رفع صوت، وتلا يونس {إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}.
قال ابن العربي: وقد أسر مالك القنوت وجهر به الشافعي، والجهر به أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو به جهرًا.
قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي} فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ} قرىء {وَهَنَ} بالحركات الثلاث أي ضعف. يقال: وهَنَ يَهِن وَهْنا إذا ضعف فهو واهنٌ. وقال أبو زيد يقال: وَهَن يَهِن ووَهِن يَوْهَن. وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن، وبه قوامه، وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعى وتساقط سائر قوته؛ ولأنه أشدّ ما فيه وأصلبه، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن منه. ووحّده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام، وأشدّ ما تركّب منه الجسد قد أصابه الوهن، ولو جمع لكان قصد إلى معنى آخر، وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها.
الثانية: قوله تعالى: {واشتعل الرأس شَيْبًا} أدغم السين في الشين أبو عمرو.
وهذا من أحسن الاستعارة في كلام العرب.
والاشتعال انتشار شعاع النار؛ شبه به انتشار الشيب في الرأس؛ يقول: شخت وضعفت؛ وأضاف الاشتعال إلى مكان الشعر ومَنْبِته وهو الرأس.
ولم يُضِف الرأس اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا عليه السلام.
{وشيبًا} في نصبه وجهان: أحدهما: أنه مصدر لأن معنى اشتعل شاب؛ وهذا قول الأخفش.
وقال الزجاج: وهو منصوب على التمييز.
النحاس: قول الأخفش أولى لأنه مشتق من فعل فالمصدر أولى به.
والشيب مخالطة الشعر الأبيض الأسود.
الثالثة: قال العلماء: يستحب للمرء أن يذكر في دعائه نِعَم الله تعالى عليه وما يليق بالخضوع؛ لأن قوله تعالى: {وَهَنَ العظم مِنِّي} إظهار للخضوع.
وقوله: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيًّا} إظهار لعادات تفضله في إجابته أدعيته؛ أي لم أكن بدعائي إياك شقيًا؛ أي لم تكن تخيب دعائي إذا دعوتك؛ أي إنك عودتني الإجابة فيما مضى.
يقال: شقي بكذا أي تعب فيه ولم يحصل مقصوده. وعن بعضهم أن محتاجًا سأله وقال: أنا الذي أحسنتَ إليه في وقت كذا؛ فقال: مرحبًا بمن توسل بنا إلينا؛ وقضى حاجته.
قوله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امرأتي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا}.
فيه سبع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الموالي} قرأ عثمان بن عفان ومحمد بن علي وعلي بن الحسين ويحيى بن يعمر رضي الله تعالى عنهم {خَفَّتِ} بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء وسكون الياء من {الموالي} لأنه في موضع رفع بـ: {خفت} ومعناه انقطعت أي بالموت.
وقرأ الباقون {خِفْتُ} بكسر الخاء وسكون الفاء وضم التاء ونصب الياء من {الْمَوَالِيَ} لأنه في موضع نصب بـ: {خفت}.
و{الموالي} هنا الأقارب وبنو العم والعصبة الذين يلونه في النسب.
والعرب تسمي بني العم الموالي؛ قال الشاعر:
مَهْلًا بَنِي عمِّنَا مَهْلًا مَوَالِينَا ** لا تَنْبُشُوا بَيْنَنَا ما كان مَدْفُونَا

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: خاف أن يرثوا ماله وأن ترثه الكلالة فأشفق أن يرثه غير الولد.
وقالت طائفة: إنما كان مواليه مهملين للدين فخاف بموته أن يضيع الدين، فطلب وليًا يقوم بالدين بعده؛ حكى هذا القول الزجاج؛ وعليه فلم يسل من يرث ماله؛ لأن الأنبياء لا تُورَث.
وهذا هو الصحيح من القولين في تأويل الآية، وأنه عليه الصلاة والسلام أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة» وفي كتاب أبي داود: «إن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا ورَّثُوا العلم» وسيأتي في هذا مزيد بيان عند قوله: {يرثني}.
الثانية: هذا الحديث يدخل في التفسير المسند؛ لقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] وعبارة عن قول زكريا: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} وتخصيص للعموم في ذلك، وأن سليمان لم يرث من داود مالًا خلّفه داود بعده؛ وإنما ورث منه الحكمة والعلم، وكذلك ورث يحيى من آل يعقوب؛ هكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض، وإلا ما روي عن الحسن أنه قال: {يرثني} مالًا {ويرث من آل يعقوب} النبوّة والحكمة؛ وكل قول يخالف قول النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو مدفوع مهجور؛ قاله أبو عمر.
قال ابن عطية: والأكثر من المفسرين على أن زكريا إنما أراد وراثة المال؛ ويحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا معشر الأنبياء لا نورث» ألا يريد به العموم، بل على أنه غالب أمرهم؛ فتأمله.
والأظهر الأليق بزكريا عليه السلام أن يريد وراثة العلم والدين، فتكون الوراثة مستعارة.
ألا ترى أنه لما طلب وليًا ولم يخصص ولدًا بلّغه الله تعالى أمله على أكمل الوجوه.
وقال أبو صالح وغيره: قوله: {من آل يعقوب} يريد العلم والنبوة.
الثالثة: قوله تعالى: {مِن وَرَآئِي} قرأ ابن كثير بالمدّ والهمز وفتح الياء.
وعنه أنه قرأ أيضًا مقصورًا مفتوح الياء مثل عصايَ.
الباقون بالهمز والمدّ وسكون الياء.
والقراء على قراءة {خِفت} مثل نِمت إلا ما ذكرنا عن عثمان.
وهي قراءة شاذة بعيدة جدًا؛ حتى زعم بعض العلماء أنها لا تجوز.
قال كيف يقول: خَفَّتِ الموالي مِن بعدِي أي من بعد موتي وهو حيّ؟!.
النحاس: والتأويل لها ألا يعني بقوله: {مِنْ وَرَائِي} أي من بعد موتي، ولكن من ورائي في ذلك الوقت؛ وهذا أيضًا بعيد يحتاج إلى دليل أنهم خفّوا في ذلك الوقت وقلّوا، وقد أخبر الله تعالى بما يدل على الكثرة حين قالوا: {أيهم يكفل مريم}.
ابن عطية: {من ورائي} من بعدي في الزمن، فهو الوراء على ما تقدّم في (الكهف).
الرابعة: قوله تعالى: {وَكَانَتِ امرأتي عَاقِرًا} امرأته هي إيشاع بنت فاقوذا بن قبيل، وهي أخت حنة بنت فاقوذا؛ قاله الطبريّ.
وحنة هي أم مريم حسب ما تقدم في (آل عمران) بيانه.
وقال القتبي: امرأة زكريا هي إيشاع بنت عمران، فعلى هذا القول يكون يحيى ابن خالة عيسى عليهما السلام على الحقيقة.
وعلى القول الآخر يكون ابن خالة أمه.
وفي حديث الإسراء قال عليه الصلاة والسلام: «فلقيت ابني الخالة يحيى وعيسى» شاهدا للقول الأوّل.
والله أعلم.
والعاقر التي لا تلد لكبر سنها؛ وقد مضى بيانه في (آل عمران).
والعاقر من النساء أيضًا التي لا تلد من غير كبر.
ومنه قوله تعالى: {وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا} [الشورى: 50].
وكذلك العاقر من الرجال؛ ومنه قول عامر بن الطفيل:
لبئس الفتى إنْ كنتُ أعورَ عاقرًا ** جبانا فما عُذْرِي لَدَى كُلِّ مَحْضَرِ

الخامسة: قوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا} سؤال ودعاء.
ولم يصرح بولد لما علم من حاله وبعده عنه بسبب المرأة.
قال قتادة: جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة.
مقاتل: خمس وتسعين سنة؛ وهو أشبه؛ فقد كان غلب على ظنه أنه لا يولد له لكبره؛ ولذلك قال: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيًّا}.
وقالت طائفة: بل طلب الولد، ثم طلب أن تكون الإجابة في أن يعيش حتى يرثه، تحفظا من أن تقع الإجابة في الولد ولكن يُخْتَرم، ولا يتحصل منه الغرض.
السادسة: قال العلماء: دعاء زكريا عليه السلام في الولد إنما كان لإظهار دينه، وإحياء نبوّته، ومضاعفة لأجره لا للدنيا، وكان ربه قد عوّده الإجابة، ولذلك قال: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيًّا}، أي بدعائي إياك.
وهذه وسيلة حسنة؛ أن يتَشفَّع إليه بنعمه، ويستدر فضله بفضله؛ يروى أن حاتم الجود لقيه رجل فسأله؛ فقال له حاتم: من أنت؟ قال: أنا الذي أحسنتَ إليه عام أول؛ فقال: مرحبًا بمن تَشفَّع إلينا بنا.
فإن قيل: كيف أقدم زكريا على مسألة ما يخرق العادة دون إذن؟ فالجواب أن ذلك جائز في زمان الأنبياء.
وفي القرآن ما يكشف عن هذا المعنى؛ فإنه تعالى قال: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المحراب وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يامريم أنى لَكِ هذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله إنًّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37] فلما رأى خارق العادة استحكم طمعه في إجابة دعوته؛ فقال تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران: 38] الآية.
السابعة: إن قال قائل: هذه الآية تدل على جواز الدعاء بالولد، والله سبحانه وتعالى قد حذرنا من آفات الأموال والأولاد، ونبه على المفاسد الناشئة من ذلك؛ فقال: {إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15].
{إِنَّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحذَرُوهُمْ} [التغابن: 14].
فالجواب أن الدعاء بالولد معلوم من الكتاب والسنة حسب ما تقدّم في (آل عمران) بيانه.
ثم إن زكريا عليه السلام تحرز فقال: {ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} وقال: {واجعله رَبِّ رَضِيًّا}.
والولد إذا كان بهذه الصفة نفع أبويه في الدنيا والآخرة، وخرج من حدّ العداوة والفتنة إلى حدّ المسرة والنعمة.
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأنس خادمه فقال: «اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته» فدعا له بالبركة تحرزًا مما يؤدّي إليه الإكثار من الهلكة.
وهكذا فليتضرع العبد إلى مولاه في هداية ولده، ونجاته في أولاه وأخراه اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والفضلاء الأولياء؛ وقد تقدم في (آل عمران) بيانه.
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)}.
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {يَرِثُنِي} قرأ أهل الحرمين والحسن وعاصم وحمزة {يَرِثُنِي وَيَرِثُ} بالرفع فيهما.
وقرأ يحيى بن يعمر وأبو عمرو ويحيى بن وثاب والأعمش والكسائيّ بالجزم فيهما، وليس هما جواب {هب} على مذهب سيبويه، إنما تقديره إن تهبه يرثني ويرث؛ والأوّل أصوب في المعنى لأنه طلب وارثًا موصوفًا؛ أي هب لي من لدنك الولي الذي هذه حاله وصفته، لأن الأولياء منهم من لا يرث؛ فقال: هب لي الذي يكون وارثي؛ قاله أبو عبيد؛ ورد قراءة الجزم؛ قال: لأن معناه إن وهبت ورث، وكيف يخبر الله عز جل بهذا وهو أعلم به منه؟! النحاس: وهذه حجة متقصاة؛ لأن جواب الأمر عند النحويين فيه معنى الشرط والمجازاة؛ تقول: أطع الله يدخلك الجنة؛ أي إن تطعه يدخلك الجنة.
الثانية: قال النحاس: فأما معنى {يرثني ويرث من آل يعقوب} فللعلماء فيه ثلاثة أجوبة؛ قيل: هي وراثة نبوّة.
وقيل: هي وراثة حكمة.
وقيل: هي وراثة مال.
فأما قولهم وراثة نبوّة فمحال؛ لأن النبوّة لا تورث، ولو كانت تورث لقال قائل: الناس ينتبسون إلى نوح عليه السلام وهو نبيّ مرسل.
ووراثة العلم والحكمة مذهب حسن؛ وفي الحديث: «العلماء ورثة الأنبياء» وأما وراثة المال فلا يمتنع، وإن كان قوم قد أنكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نورث ما تركنا صدقة» فهذا لا حجة فيه؛ لأن الواحد يخبر عن نفسه بإخبار الجمع.